التعلق المرضي : سجنك الأبدي
يعد التعلق المرضي حالة نفسية يتميز فيها الفرد بارتباط عاطفي مفرط وغير صحي بشخص أو شيء معين، مثل الشريك العاطفي أو الأصدقاء أو حتى الأنشطة كالتكنولوجيا أو العمل في هذه الحالة، يشعر الشخص بحاجة مستمرة إلى هذا الارتباط، ويعاني من القلق أو الفراغ عند غيابه. كما يمكن أن يتسبب التعلق المرضي في تصرفات مفرطة أو تجنبية بسبب الخوف من الفقدان أو الهجر.
إن
التعلق المرضي لا يشبه التعلق الطبيعي، فالمصاب به يصبح غير متوازن، إضافة إلى
إحساسه بالعجز عن إتخاذ أي قرارات مستقلة وكذا القيام بأي نشاط دون الرجوع أو تدخل
الشخص أو الشئ المرتبط به بحيث يجد نفسه في دائرة من قلة الإنتاجية، التوتر، الحزن
وكذا العزلة الاجتماعية، فالتعلق المرضي ينمو بسبب التجارب السلبية في الطفولة
ويتشبع بالاحتياجات العاطفية غير المشبعة، ويتعزز بإنعدام الثقة بالنفس والخوف من
الرفض .
ولعل من أبرز أشكال التعلق المرضي نجد
التعلق العاطفي المرضي في العلاقات العاطفية، الذي ينشأ من الخوف المستمر من فقدان
الشريك، أو العلاقة، مما يضر بالعلاقة ويخلق بيئة غير صحية عاطفيا.
ما هي أسباب التعلق المرضي؟
ينشأ التعلق المرضي نتيجة لمجموعة من العوامل التي تكون أحيانا متداخلة سواء تعلق الامر بالعوامل النفسية وصولا للعوامل البيئة التي ترعرع فيها الطفل، والتي يستمر صداها في التأثير على الشخص طوال حياته، ومن أبرز هذه العوامل هي التجارب العاطفية السلبية في الطفولة، مثل الإهمال أو تجاهل العواطف من طرف الوالدين، هذه الاحاسيس تؤدي إلى انعدام الانعدام الأمان العاطفي و يشجع الشخص على التعلق المفرط بالأخرين أو الأشياء بغية الحصول على الأمان والراحة، إضافة إلى التمسك المفرط بالعلاقة لتجنب الشور بالوحدة والألم هذا من جهة، ومن جهة اخرى يؤدي القلق العاطفي واضطرابات الشخصية مثل اضطراب الشخصية الحدية أيضا زيادة الاعتمادية على الاخرين، بالإضافة إلى ذلك تؤثر العوامل البيولوجية مثل التغيرات الهرمونية في الدماغ، إلى جانب التربية الاسرية القاسية أو المشجعة على السيطرة في تعزيز هذا النمط من التعلق إضافة إلى ذلك يساهم التفاعل المعقد بين هذه العوامل في تطوير التعلق المرضي، مما يتطلب معالجة نفسية للوصول إلى تعزيز الاستقلالية العاطفية وكذا بناء الثقة بالنفس.
كيف يأثر التعلق المرضي على الحياة
يعتبر التعلق
المرضي بمثابة حالة نفسية معقدة تؤثر سلبًا على مختلف جوانب حياة الشخص، بدءًا من الصحة
النفسية والعاطفية إلى العلاقات الاجتماعية والعملية بحيث ينشأ هذا النوع من
التعلق عندما يعتمد الفرد بشكل مفرط على شخص أو شيء معين، مما يؤدي إلى مشاعر
القلق والتوتر المستمرين فالشخص المتعلق مرضيًا يشعر بعدم الأمان والخوف من
الفقدان، سواء كان ذلك في العلاقات العاطفية أو الأنشطة اليومية، مما يسبب ضغطًا
نفسيًا يؤثر في استقراره العاطفي وصحته النفسية.
يسبب التعلق المرضي على المستوى الاجتماعي
اختلالات في العلاقات، حيث يصبح الشخص المتعلق مفرطًا في الاعتماد على الآخر
لتلبية احتياجاته العاطفية، مما قد يؤدي إلى علاقات غير صحية وغير متوازنة، بحيث
قد يسعى الفرد للسيطرة على حياة الآخر، مما يسبب توترًا ويؤدي في بعض الأحيان إلى
العزلة الاجتماعية، أما على الجانب العملي يؤثر التعلق المرضي على التركيز
والإنتاجية، حيث يشغل الشخص نفسه بالتفكير المستمر في العلاقة التعلقية مما يضر
بقدرته على أداء المهام اليومية واتخاذ القرارات.
بيد أن للتعلق المرضي تأثيرات سلبية على
الصحة الجسدية هي الاخرى، حيث يزيد من مستويات التوتر والقلق، مما يؤدي إلى مشاكل
صحية مثل ارتفاع ضغط الدم واضطرابات النوم هذا من جهة، ومن جهة اخرى يؤدي التعلق
المرضي إلى الاضرار بالنمو الشخصي، يعيق التعلق المرضي قدرة الفرد على بناء
استقلالية عاطفية واتخاذ قراراته بشكل مستقل، مما يؤثر في تطوره الشخصي والمهني.
الاكتئاب والتعلق المرضي أية علاقة ؟
الاكتئاب والتعلق المرضي وجهان لعملة واحدة
بحيث يتدخلان بشكل مخيف، فالتعلق المفرط بشخص أو شيء معين يعزز من الإحساس بشعور
العجز أو الفراغ عند التعرض لأي تهديد للعلاقة، سواء أكان هذا التهديد عبارة عن
رفض أو فقدان ليصبح هذا الشخص مصدر الأمان الوحيد، وعند أول خطر تواجه العلاقة
يصبح الشخص معرضا للشعور باليأس والحزن المستمر، مما يعزز مساعر الاكتئاب، ويعتبر
أي تغيير في مسرى العلاقة ولو كان صغيرا سببا في خلق مشاعر الخوف والفقد وكذا
تراكم القلق والتوتر مما يسبب في النهاية الاكتئاب .
فالشخص
الذي يعاني من هذا التعلق يحس بصعوبة في تخيل الحياة بدون الشخص الملتصق به، ويصبح
الاكتئاب حالة وجودية كاملة تؤدي إلى فقدان الأمل، وفي بعض الأحيان قد تراوده
أفكار انتحارية للهروب من الألم العاطفي هذا التأثير لا يقتصر على الصحة النفسية
فقط، بل يمتد أيضًا إلى الصحة الجسدية والعقلية، حيث يعاني الشخص من اضطرابات
النوم وفقدان الشهية، ويصبح غير قادر على التفاعل مع العالم الخارجي أما في بعض
الحالات، يؤدي التعلق المرضي إلى شعور قوي بالعجز عن العيش بدون الشخص المعتمد
عليه، مما يعمق من الاكتئاب ويحول العلاقة إلى سجن عاطفي.
التعلق المرضي "عندما يصبح الحب قيدًا عاطفيًا"
نتيجة للتعلق المرضي يصبح الشخص مرتبطا
بشكل مفرط بشخص اخر لدرجة أنه لا يستطيع تخيل الحياة أو إيجاد قيمة لنفسه دون هذا
الشخص، فالتعلق المرضي هو حالة نفسية تتجاوز حدود العلاقة الصحية، خاصة أن العلاقة
قد تبدو كحب طبيعي في البداية، لكن هذه العلاقة ومع مرور الوقت تتحول إلى احتياج
مستمر وغير معقول للخصول على الرعاية العاطفية والطمأنينة من الاخر، لتصبح العلاقة
تتمحور على حياة الشخص، إلى درجة الإحساس أن وجوده الشخصي أو سعادته تعتمد اعتمادا
كليا على هذا الطرف، وأي
تهديد لهذه العلاقة - سواء كان في شكل ابتعاد أو رفض أو تغييرات في سلوك الشخص -
يمكن أن يسبب انهيارًا عاطفيًا شديدًا في
هذه الحالة، يعجز الشخص عن اتخاذ قراراته بشكل مستقل ويبدأ في تحديد قيمته الذاتية
من خلال عيون الآخر، ما يعمق شعوره بالعجز والإحباط.
إن التعلق المرضي له أضرار وخيمة على الصحة النفسية فالشخص الذي يعاني
من هذا النوع من التعلق يضحي بشكل مستمر باحتياجاته العاطفية والشخصية لصالخ
الاخر، مما يؤدي إلى تراجع تقديره لذاته من جهة مع شعوره المستمر بالإهمال والرفض
من الشخص الذي يعتمد عليه عاطفيا، هذا الامر يجعله داخل دوامة من القلق والحزن
والاكتئاب، مما يجعله عرضة للضياع والاحساس بالفقدان، ليصبح شخصا أقل نشاطا
اجتماعيا الامر الذي يفاقم معاناته النفسية والجسدية .
كيف أتخلص يا يرى من التعلق المرضي ؟
إن التخلص من التعلق المرضي يتطلب جهدا
ووقتا كبيرين لتحققي الشفاء والتعافي التام، فالعلاج لا يقتصر على التخلص من
الاعتمادية المفرطة، بل يتجاوزها للوصول لتحقيق الاستقلالية العاطفية وتعلم كيفية
إقامة علاقات صحية ومتوازنة، لذلك فرغبتك فالمسير في طريق التعافي ليس بالامر
بالسهل، لكنه طريق واضح فما يلزمك هو اتباع خطوات متكاملة تشمل تغييرات تدريجية
سواء في التفكير والسلوك، هذه الخطوات ستساعدك حتما في تحسين حالتك النفسية
واستعادة توازنك النفسي والعاطفي.
ولعل المرحلة الصعبة في تحقيق التوازن
النفسي وتخطي التعلق المرضي هو الاعتراف بحقيقة أن الشخص مرتبط بشكل مرضي سواء بشئ
أو شخص فالاعتراف هو أصعب مرحلة وهو مفتاح رحلة التعافي ، وفي هذا السياق فمن الضروري أن تميز بين التعلق
العاطفي الصحي والتعلق المرضي، لأن التعلق المرضي ليس حبًا عميقًا، بل هو اعتماد
مفرط على شخص آخر لشعورك بالأمان العاطفي بمجرد أن تدرك هذا الفارق، ستتمكن من
التعامل مع مشاعرك بموضوعية أكبر.
إن معاناتك من التعلق المرضي ليست وليدة
اليوم بل هي نتيجة لتراكمات مرتبطة بالتجارب في مرحلة الطفولة، سواء أكانت هذه
التجارب عبارة عن إهمال، فقدان أحد الوالدين، أو ربما علاقات سامة عاشها الشخص في
مرحلة معينة من مراحل حياته، فمن أجل تحقيق تخلص ناجح من التعلق المرضي يجب بالأول
فهم جذور هذه المشاعر والعمل على معالجة الأسباب العميقة، وقد يتطلب الامر في كثير
من الأحيان العلاج النفسي وكذا أخد استشارات فردية وذلك بغية مساعدة الشخص على فهم
كيف أثرت هذه التجارب على سلوكه العاطفي في الوقت الحاضر
ولعل من أبرز التحديات الكبرى في عملية
التعافي والتي يجب أن يحققها أي شخص هي تعلم كيفية الاعتماد على الذات عاطفيا،
وذلك من خلال بناء الثقة في قدرتك على الشعور بالأمان دون الاعتماد المفرط على أي
شخص، مما يعزز من المهارات الصحية في التعامل مع المشاعر، مثل إدارة القلق أو
التغلب على مشاعر الوحدة وكذا تبني أنشطة تعزز الاستقلال الشخصي، مثل تعلم هوايات جديدة
وخلق مساحات تواصل امنة .
ومن بين النصائح المهمة والتي يجب على
الشخص الذي يعاني من التعلق المرضي اتباعها هي محاولة إدارته لعلاقاته مع الاخرين
على أساس الوضوح، وذلك من خلال وضع حدود امنة والتمسك والدفاع عليها، إضافة إلى
ضرورة التعبير الجيد على احتياجاتك، فهذه الحدود لا تساعد فقط على بناء علاقات
صحية ومتوازنة، بل سوف تساهم بشكل أكبر في التقليل من الاعتماد المفرط على الاخرين
.
وان كان التعلق المرضي يرتبط يتغدى بشكل
مباشر من الرفض أو الهجر، فضرورة التعلم مع هذه المخاوف يعد خطوة مهمة لتحقيق
نجاتك من ويلات التعلق المرض ولتعزيز صورتك الذاتية أمامك، لذلك فمن الضروري أن
تؤمن أن لك كامل الحق في ان تتمتع بحياة سعيدة مستقلة دون حاجة إلى شخص أو شيء معين،
فتغيير نمطك الفكري سيساعدك بلا شك في تحقيق المرونة العاطفية، مما سيؤدي إلى
الاخد بيدك إلى بر الأمان العاطفي.
خاتمة :
ان كان التعلق المرضي عبارة عن حالة مرضية
تتداخل فيها العوامل النفسية، العاطفية والاجتماعية، وبشكل عقبة نحو تحقيق حياة
هانية لمن يعاني منه، خاصة أن التعلق المفرط يؤدي إلى التعلق المفرط والعبودية
للشخص الذي يعاني منه، إلا أن إيجاد حل ليس
بالغد البعيد أو بطريق بلا نهاية، فاتباعك
النصائح التي تم ذكرها في هذه المقالة والتحلي بالصبر ستصل لمرحلة استعادة توازنك
النفسي والعاطفي، لتعيش حياة مليئة بالسلام الداخلي كما تستحق .